الثلاثاء، 17 أكتوبر 2017

مقدمة في القصة

مقدمة في القصة

ساهمت عدة عوامل في تطور الأدب العربي شقه النثري نذكر منها الانحطاط والاستبداد العثماني وكذا حملة نابليون على مصر التي دامت ثلاث سنوات وعامل المثاقفة أي التبادل الثقافي بين العالمين العربي والغربي ثم استقدام المطبعة التي طورت الكتابة والصحافة، والترجمة وهذا ما أثمر ظهور الأشكال النثرية الاتية:

(المقالة، المسرح، القصة) فالقصة هي فن نثري أدبي ظهر في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين استجابة لكل مرحلة تاريخية، فكانت القصة تعبر عن صراع الوطن ضد المستعمر مع مبارك ربيع ، طه حسين، عبد الكريم غلاب ويوسف إدريس وتميزت بعدة خصائص من بينها المتن الحكائي بعناصره الخمسة وهي الأحداث والوقائع والقوى الفاعلة، الفضاء، العقدة أو المشكل ثم الحل أو النتيجة بالإضافة إلى المبنى الحكائي بعناصره الخمسة وهي اللغة السردية ومستوياتها والرؤية السردية ثم اللحظة واللقطة والموقف كما تتميز بالاختصار والإيجاز ومعالجة قضايا تتصل بالمجتمع : والنص الذي بين أيدينا (الطريق الأخير) للكاتب محمد بيدي الذي ولد سنة 1942 بمدينة الدار البيضاء وتنوعت كتاباته بين القصة القصيرة ونظم الشعر بالفرنسية والترجمة يندرج ضمن فن القصة، من هنا يتعين علينا طرح الأسئلة الآتية :
       * ما طبيعة المتن الحكائي؟
       * ما طبيعة المبنى الحكائي؟
       * ما طبيعة الأنساق والقيم الفكرية في النص؟
       * ما مدى تمثيلية النص لفن القصة؟
تشترك كل القصص في وجود بداية لها غير أنها تختلف في نوعية هذه البداية وبداية القصة المعنونة "بالطريق الأخر" كانت دينامية لأنها جعلتنا نلج الموضوع ونطلع على أحشائه، فقد بدأت باللقاء العابر الذي وقع بين سي محمد وعبد المالك، حيث لمح عبد المالك صديقه سي محمد، أما العنصر المخل فيتمثل في الانحراف والتشبث بالقيم الفاسدة وأما وضعية الوسط فقد تضمنت مجموعة من الأحداث شكلت مساحة كبرى في النص منها استرجاع الصديقين زمن الدراسة بأفراحها وأحزانها، ثم العودة إلى المغرب والأحداث المشيرة إلى الوظائف التي تقلدها محمد وعبد المالك من خلال طريقين : الطريق الصعب "سي محمد" وطريق آخر مثله عبد المالك، وعنصر الانفراج الذي يتمثل في الاتصال الهاتفي الذي قام به عبد المالك بعد تردد وحيرة وصراع نفسي داخلي. أما وضعية النهاية فهي نهاية سعيدة لأنها شكلت بداية مرحلة جديدة عادت فيها المياه إلى مجاريها. أما الحبكة فهي كيفية انتظام الأحداث داخل النص القصصي والتي سندرسها من خاصيتين : خاصية الخطية الزمنية وتمثلت في أحداث الالتقاء بين صديقين "عبد المالك وسي محمد" وخاصية الاسترجاع تمثلت في تذكر عبد المالك للماضي الدراسي ووظيفته. أما الرهان فيتجلى في رهان الكاتب على مجموعة من المبادئ الضائعة مثل التفاني في العمل والقناعة والوفاء وغيرها من القيم النبيلة بالإضافة إلى انتقاده لمجموعة من الانحرافات والإختلالات التي سادت المجتمع منها النفاق والطمع والتزلف للباطل لكسب المال والفقر وغير ذلك. وقد ساهمت في تحريك أحداث القصة ومنعها من الركود مجموعة من القوى الفاعلة التي تنوعت بين الآدمية وغير الآدمية فأما الآدمية فتتمثل في سي محمد الذي يتميز بالصدق والتفاني والقناعة والطموح فهو رمز للصداقة الحقيقية، ثم عبد المالك الذي يتميز بضعف الشخصية والطمع والنفاق وهو رمز للامبالاة في سبيل الوصول إلى هدفه وأما غير الآدمية فتتمثل في السيارة التي وقع بجانبها اللقاء العابر بين الصديقين والتي كانت وسيلة عبد المالك للهرب ثم فكرة الطريق الأخر من أجل النجاح والإحساس بالذهول في لحظة التقاء الصديقين ثم الشعور بالغربة في فترة الدراسة بالإضافة إلى المساندة ، وأخيرا التجاذب النفسي الذي أحس به سي محمد بعد لقائه بصديقه والذي سيؤل به إلى الاتصال بصديقه وإعلان تغيره. أما العلاقة الجامعة بين القوى الفاعلة فنجد علاقة عبد المالك بسي محمد علاقة صداقة وفية ، ثم علاقة عبد المالك بنفسه علاقة صراع داخلي وعلاقة سي محمد بنفسه علاقة ارتياح واطمئنان. أما النموذج العاملي فيتكون من العامل الذات وهو سي محمد، والعامل الموضوع فهو تغيير عبد المالك وجعله يسلك الطريق الصحيح بعد انحرافه وتجمع بينهما علاقة الرغبة، ثم العامل المرسل الذي هو الشعور هو الواجب الأخلاقي تجاه صديقه ومحبته له، وأما العامل المرسل أليه فيتمثل في اللقاء العابر الذي قام به سي محمد وبينهما علاقة الإرسال وقد جمعت علاقة تضاد بين العامل المساعد الذي تمثل في السيارة وأفراد المجتمع، أما بالنسبة لدراسة العلاقات بين القوى الفاعلة عن طريق البنى العاملية الثلاث فنجد في بنية تباين الرغبات رغبة سي محمد في تغيير المجتمع وصديقه ورغبة عبد المالك في كسب المال والمكانة الاجتماعية بأي وسيلة كانت. أما بنية صراع الرغبات فنجد رغبة سي محمد في الرفع من قيمة المجتمع وإصلاح الاعوجاج بالإضافة إلى تغيير صديقه ودفعه إلى سلك طريق الشفافية والنزاهة تتعارض مع رغبة عبد المالك في كسب المال وإن كانت الوسيلة هي الانحراف، وأخيرا بنية تفسخ الرغبات حيث نجد رغبة عبد المالك تحققت في كسب المال بأي وسيلة كانت ثم تحقق رغبة سي محمد في تغيير صديقه وأما الفضاء فينقسم إلى قسمين: زمان ومكان. والزمان بدوره ينقسم إلى حقيقي ورمزي، فالزمان الحقيقي يتجلى في لحظة التقاء نظرة عبد المالك بنظرة صديقه سي محمد وزمان وكان بإمكان وذلك الزمان، بعد سنوات، ثم اليوم. أما الزمن النفسي فيتمثل في الوقت الذي أحس فيه عبد المالك بالانحراف وعدم نجاح وجهة النظر. أما المكان فينقسم إلى المكان الحقيقي فيتمثل في المدينة وداخل السيارة ثم غرفة واحدة والبلاد ثم المغرب وكذا المكتب الذي كان يبحث فيه عن رقم هاتف سي محمد من أجل البحث عن طريق آخر. ولدراسة المبنى الحكائي نقوم بدراسة اللغة السردية ومستويات الأسلوب، حيث نجد الكاتب استعمل اللغة العربية الفصحى المتمثلة في قوله (عندما التقت نظراتهما...) واللغة العامية ومن بين مؤشراتها النصية نجد (سي محمد ـ تلفون...) كما اعتمد على التهجين وهو المزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العامية، كما اعتمد على حوار متعدد الذي يسمى بالديالوك، من خلال كونهما يتفقان عن الطريق المختار (قال لي : أمامنا الآن طريقان...) وحوار أحادي المسمى بالمونولوك ومن بين مؤشراته النصية (كان يعتقد أن وجهه الآخر قد مات في زمان ..) حيث كان يتحاور مع نفسه كما قام بوصف حالة عبد المالك عند التقائه المفاجئ بسي محمد مما يدل عليه في النص (اجتاح نفسه شعور وقلق .. تتعرى نفسه وتنفضح منه عيوب كبيرة للعيون...) كما اعتمد صاحب النص على رؤية سردية مصاحبة أو مع لأنه يسرد ويعرف وهو شخصية رئيسية في القصة إذ يروي في بداية النص الحالة التي كان عليها الصديقان عبد المالك وسي محمد وهي حالة القلق والخجول والشقاء، كما استعمل ضمير المتكل في وسط النص كقوله "كنا في ذلك الزمان... " وأما الخصائص الفنية المتمثلة في اللحظة واللقطة والموقف، فاللحظة تتمثل في الوقت الذي التقى فيه سي محمد مع صديقه عبد المالك. وهذه اللحظة تتكون من عدة للقطات المتمثلة بكون عبد المالك يبحث عن رقم الهاتف للاتصال مع صاحبه سي محمد من أجل الرجوع إلى الطريق الآخر والتشبث بالقيم الجديدة، وأما الموقف فيتضح من خلال كون الكاتب يرى أن عبد المالك في الأخر لم ينجح في الطريق الذي اختاره وقام بالاتصال مع سي محمد لكي يقدم له نصائح. نخلص من خلال هذه الدراسة الى دراسة القيم والأنساق الفكرية والتي تتمثل في الرفع من مستوى المجتمع والارتقاء به ومناهضة الفقر وانتشار العدالة والحرية والمساواة.

يتضح من خلال كل ما سبق أن نص "الطريق الأخر" قد توفر على بداية دينامية تمثلت في اللقاء العابر الذي حصل بين الصديقين وثم القوى الفاعلة كسي محمد بالإضافة إلى الزمان والمكان وبالإضافة إلى كون الكاتب قد استعمل التهجين أي المزج بين اللغة العربية الفصحى واللغة العربية العامية ثم كون الرؤية السردية وتتمثل في الرؤية المصاحبة بالإضافة إلى وجود مجموعة من القيم والأنساق الفكرية مما يدل على أن القصة اكتملت جميع مكوناتها وكانت بمثابة تنفيذ لبنود فن القصة وبالتالي مثل المعنون "بالطريق الأخر" وجسده تجسيدا تاما.

مقالات ذات صلة

مقدمة في القصة
4/ 5
بواسطة