الجمعة، 9 مارس 2018

دروس الفلسفة التانية باكالوريا - مفهوم العنف ومحاوره

مفهوم العنف
دروس الفلسفة - مفهوم العنف - الثانية باكالوريا مسلك الآداب والعلوم الإنسانية




الطرح الإشكالي

إن كانت مظاهر العنف تبدو لنا واضحة وجلية في جرائم القتل، الحروب، الإبادة العرقية، الإرهاب، العدوان… من خلال الصورة وتقنيات التواصل والإعلام، فما إن يبدأ المرء في التفكير والتأمل في طبيعة السلوكات العنيفة، حتى يكتنف هذا الموضوع التعقد والغمو
، من حيث تعدد وتنوع أشكال هذا العنف، من عنف مادي ملموس، إلى عنف آخر رمزي غير ظاهر. إضافة إلى الدور الذي لعبه في التاريخ وتجليات هذا الدور. وأخيرا العلاقة المضطربة التي تربطه بمسألة المشروعية. وهو ما يمكن التعبير عنه من خلال هذه الأسئلة
ما هي أشكال العنف إذن؟
كيف يعمل العنف على رسم مسارات التاريخ الإنساني؟
هل العنف فعل مشروع؟ أم أنه يفتقد لأي مشروعية؟
أولا: أشكال العنف
أ– العنف المادي
إن الحرب كأعلى شكل من أشكال العنف المادي – في نظر كارل فون كلوزفيش – هي مجموعة من المعارك تتكون من عدد لا محدود من الاقتتال الفردي الذي اتسع لكي يشكل الحرب. إن كل واحد، أثناء الصراع، يحاول بواسطة القوة الجسمانية، أن يسقط الآخر ويحطم مقاومته. فالحرب فعل من أفعال القوة، نحاول بواسطته إرغام الخصم على الخضوع لإرادتنا، ولأجل أن تتغلب قوة على قوة، فإنها تستعمل كل ما توفره لها العلوم والصناعات من وسائل
إن القوة الجسمية هي مجرد وسيلة، أما غاية العنف – كما يرى كلوزفيش – فهي إرغام الخصم على الخضوع
ب– العنف الرمزي
يقصد بالعنف الرمزي كل أشكال العنف غير الفيزيائي، في نظر بيير بورديو، أي أشكال العنف القائمة على إلحاق الأذى عبر الكلام أو اللغة أو التربية أو العنف الذهني. وهو درجات، حيث يقوم معظمه على تكييف رد فعل المتلقي ليتقبل العنف اللطيف، بل ويعتبره أمرا عاديا، والمثال الأوضح للعنف الرمزي هو الإيديولوجيا والأفكار المتداولة، فانطلاقا من كوننا نولد في عالم اجتماعي، فإننا نتقبل عددا من البديهيات والمسلمات التي تفرض نفسها علينا بتلقائية وسهولة و لا تكاد تتطلب تلقينا
هكذا يمكن أن يحقق العنف الرمزي – حسب بورديو – نتائج أحسن مما يحقق العنف المادي
ثانيا: العنف في التاريخ
أ– الصراع كمحرك للتاريخ
لم يكن تاريخ أي مجتمع، إلى يومنا هذا، في تصور كارل ماركس، إلا تاريخ الصراع بين الطبقات: الأحرار والعبيد، الإقطاعيون والأقنان… وبعبارة أخرى المضطهِدون والمضطهَدون، الذين كانوا دوما في حالة تعارض ومواجهة دائمة، قامت بينهم حروبا لا تتوقف، معلَنة أحيانا، وخفية أحيانا أخرى، حروبا كانت تنتهي دوما إما بتغيير جذري للمجتمع برمته، أو بتحطيم الطبقتين المتصارعتين معا
إن المجتمع البورجوازي الحديث، لم يقض على الصراع بين الطبقات حسب ماركس، وإنما أحل طبقات جديدة وهي البورجوازية والبروليتاريا، كما أحل ظروفا جديدة للاضطهاد، وأشكالا جديدة من الصراع
ب– العنف الاقتصادي
يلعب العنف دورا بارزا في التاريخ، حسب فريديريك إنجلس، وذلك في ارتباط بالتطور الاقتصادي. فيمكن للعنف السياسي أن يعمل لأجل التطور الاقتصادي فترتفع سرعته. كما يمكن أن يعمل ضد هذا التطور، وفي هذه الحالة فإنه يستسلم تدريجيا للتطور الاقتصادي، مع بعض الاستثناءات، ففي هذه الحالات ينتهي فيها الصراع إلى قلب النظام
إن كل عنف سياسي – في نظر إنجلس – يقوم أصلا على وظيفة اقتصادية ذات طبيعة اجتماعية
ثالثا: العنف والمشروعية
أ– العنف المشروع
يمثل العنف مشكلة للفلسفة، بالنسبة لإريك فايل، أما الفلسفة فهي لا تمثل أي مشكلة للعنف الذي يزيح الفيلسوف عن طريقه كلما وجده يعوق مسيرته الخالية من أي اتجاه. إن العنف ليس له معنى إلا بالنسبة إلى الفلسفة، التي هي رفض للعنف، وإذا كان من السهل أن نجد فلسفة تأمر باستعمال العنف، لأنها تبينت أن عليها أن تحارب العنف. لكن هذا العنف الذي تدعو إليه ليس سوى وسيلة ضرورية لخلق حالة اللاعنف، حسب فايل، وذلك بواسطة العقل وفكرة التماسك
ب– لا مشروعية للعنف

إن السمة الأساسية للعنف – في نظر غاندي – هي أنه يجب أن تكون وراء الفكر والكلام والفعل، نية عنيفة، أي رغبة في إلحاق الأذى والألم بذلك الذي يعتبر خصما، أما اللاعنف، فهو الغياب التام للإرادة السيئة، بل هو إرادة طيبة تجاه كل ما يحيا، إنه حب متكامل. إن اللاعنف ليس تخليا عن كل صراع حقيقي ضد الشر، بل هو مناهض للشر بكفاح وصراع فعال يتجاوز حدود القصاص، إلى معارضة ذهنية وأخلاقية. وهكذا فالعنف – حسب غاندي – لا مشروعية له