الأربعاء، 4 أكتوبر 2017

مفهوم الدولة / هل الدولة غاية أم وسيلة ؟



يعتبر مفهوم الدولة  الذي يؤطر ضمن مجزوءة السياسة من المفاهيم الفلسفية التي آتارت جدلا واسعاً بين مختلف الاتجاهات الفكرية والفلسفية خصوصاً بين المفكرين والفلاسفة المعاصرين بحيث قام كل واحد منهم بمعالجة إشكالية المحور المتعلق بمشروعية الدولة وغايتها  انطلاقا من منظوره الخاص، فإذا كانت  الدولة هي تنظيم سياسي هدفه تحقيق الأمن والسلم للأفراد، فإن الاشتغال على هدا السؤال الفلسفي التالي هو هل الدولة غاية في ذاتها ام مجرد وسيلة، أدى بنا إلى طرح العديد من التساؤلات الفلسفية والتي يمكن التعبير عنها بالشكل التالي :

ما الدولة؟ وهل الدولة غاية في داتها ؟ أم مجرد وسيلة ؟

قبل الخوض في تحليل هذا السؤال الفلسفي، ومعالجة إشكالاته، لابد أولاً الوقوف والاشتغال على مفاهيم وألفاظ هدا السؤال، لأن المفاهيم هي أدات من أدوات أي فيلسوف،  والتي من خلالها يصنع بها عوالمه الخاصة، ذلك أن الفلسفة كما عبر بذلك دولوز هي إبداع للمفاهيم، ولعل أهم المفاهيم والألفاظ الموظفة في هدا السؤال، نجد " هل" وهي أداة استفهام يقد منها التصديق أو التكديب ويحتمل الحرف الإجابة بنعم أولا ثم  مفهوم الدولة وهي تجمع بشري كبير نسبيا من حيث مجموع أفراده،  وأنه مستقر في رقعة جغرافية معينة محاطة بحدود معينة كذلك،وأن هذا التجمع يتوفر على حكومة خاصة تسهر على تدبير ورعاية شؤون الأفراد المنتمين له ،وأن هذه الحكومة تعمل وفق قوانين وأعراف ومساطر إدارية من خلال اعتمادها على جملة من الأجهزة والمؤسسات تكون في مجملها مستنبطة ومنبثقة من الدستور أو القانون العام بالإضافة إلى مفهوم الغاية وتدل على الهدف الاسمي الذي يرغب  الإنسان الوصول اليه  ناهيك عن مفهوم الوسيلة التي تدل على معاملة الإنسان وفق مبدأ المنافع والمصالح.

وليس الغرض إذن من تحليل هذه المفاهيم هو الإجابة بنعم أو لا ، وإنما تحديد الأطروحة المفترضة  الجوهرية للسؤال الفلسفي وسبر أغوارها، لدلك يمكن القول أنه تنتظم حول هذه المفاهيم الأطروحة المفترضة التالية أن الدولة غاية في داتها بحيث  تتمثل غاية الدولة عند أفلاطون في تحقيق السعادة، لا بوصفها سعادة الفرد، بل بوصفها نظام وانسجام الكل: وعليه لا يعدو الأفراد عن كونهم مجرد لوالب في جوف هذه الآلة الضخمة المسماة دولة، يقومون بمهام تتناسب وطبائعهم التي ولدووا بها، ينتجون وينجبون ويحاربون من أجل الدولة. فلا قيمة لرغباتهم أو مسراتهم أو أحزانهم أو عواطفهم إلا بما يحقق لهذه الأخيرة النظام والانسجام.وفي العصر الحديث، يرفض هيجل بدوره التصور التعاقدي السابق لكونه يجعل غاية الدولة خارجية عندما يحصرها في تحقيق السلم والحرية وحماية ممتلكات الأفراد. فالدولة بهذا المعنى ستكون مجرد وسيلة لتحقيق أهداف خارجة عنها، أهداف يعتبرها هيجل خاصة بالمجتمع المدني، كمجال لإشباع حاجيات الأفراد اليومية والإنتاج الاقتصادي وللتنافس بينهم في ظل تعارض مصالحهم الخاصة، في حين أن الدولة تمثل غاية في ذاتها بوصفها تجسيدا للمطلق. و ككيان ينتزع الفرد من الخصوصية والأنانية ليسمو به إلى مستوى الكونية ويحقق اكتماله الأخلاقي، وذلك لأنها هي الجوهر الأخلاقي وقد وصل إلى الوعي بذاته. وإذا كان الأمر كذلك فما قيمة  أطروحة السؤال؟ والجواب أن قيمة أطروحة السؤال هي قيمة فكرية وتاريخية أضافت تصوراً جديداً متعلق بمشروعية الدولة   .

بعد تحليلنا إدن لأطروحة السؤال نقوم الآن بولوج الأغوار والصرح الفلسفي،  فنقول لا يهم التسلسل الزمني بين الفلاسفة لأن الفلسفة غاية كما يرى عبد الله العروي، وإنما يهمنا ما جادت به قريحة الفلاسفة في مشروعية الدولة وغايتها فإذا كان صاحب السؤال المفترض  يرى أن الدولة غاية في ذاتها فإن الفيلسوف ماكس  فيبر أن السياسة هي مجال تدبير الشأن العام وتسييره، وما الدولة إلا تعبيرا عن علاقات الهيمنة القائمة في المجتمع،وهذه الهيمنة تقوم على المشروعية التي تتحدد في ثلاث أسس تشكل أساس الأشكال المختلفة للدولة.وهي سلطة الأمس الأزلي المتجذرة من سلطة العادات والتقاليد،ثم السلطة القائمة على المزايا الشخصية الفائقة لشخص ما، وأخيرا السلطة التي تفرض نفسها بواسطة الشرعية،بفضل الاعتقاد في صلاحية نظام مشروع وكفاءة ايجابية قائمة على قواعد حكم عقلانية في حين يرى الفيلسوف هوبز  يرى أن الدولة تنشأ ضمن تعاقد إرادي وميثاق حر بين سائر البشر ،حتى ينتقلوا من حالة الطبيعة حرب الكل ضد الكل-إلى حالة المدنية.وبذلك ستكون غاية الدولة هي تحقيق الأمن والسلم في المجتمع.أما الفيلسوف سبينوزا يرى أن الغاية من تأسيس الدولة هي تحقيق الحرية للأفراد والاعتراف بهم كذوات مسؤولة وعاقلة وقادرة على التفكير وبالتالي تمكين كل مواطن من الحفاظ على حقه الطبيعي في الوجود  باعتباره وجودا حرا.
يتضح من خلال تحليلنا هدا  السؤال الفلسفي وتحليله وسبر أغواره أن إشكالية  مشروعية الدولة وغايتها،  كانت ولا زالت وستظل منفتحة أيما انفتاح،  على مفارقات عميقة واختلافات جوهرية  بين المفكرين والفلاسفة منهم من ينظر إلى الإشكالية في جانبها الإيجابي، ومنهم من ينظر للإشكالية في جانبها السلبي، وهدا من سمات التفكير الفلسفي المنفتح باستمرار على أوجه النظريات ذات أبعاد مختلفة .

مقالات ذات صلة

مفهوم الدولة / هل الدولة غاية أم وسيلة ؟
4/ 5
بواسطة

1 شآركوا بالموضوع: